فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

اعلم أنه انتصب قوله: {رُسُلًا} بمضمر يفسره قوله: {قَدْ قصصناهم عَلَيْكَ} والمعنى أنه تعالى إنما ذكر أحوال بعض الأنبياء في القرآن، والأكثرون غير مذكورين على سبيل التفصيل.
ثم قال: {وَكَلَّمَ الله موسى تَكْلِيمًا} والمراد أنه بعث كل هؤلاء الأنبياء والرسل وخص موسى عليه السلام بالتكلم معه، ولم يلزم من تخصيص موسى عليه السلام بهذا التشريف الطعن في نبوّة سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فكذلك لم يلزم من تخصيص موسى بإنزال التوراة عليه دفعة واحدة طعن فيمن أنزل الله عليه الكتاب لا على هذا الوجه، وعن إبراهيم ويحيى بن وثاب أنهما قرأ {وَكَلَّمَ الله} بالنصب، وقال بعضهم: وكلم الله معناه وجرح الله موسى بأظفار المحن ومخالب الفتن وهذا تفسير باطل. اهـ.

.قال السمرقندي:

{وَكَلَّمَ الله موسى تَكْلِيمًا} قال بعضهم: معناه أنه قد أوحى إليه، وإنما سماه كلامًا على وجه المجاز كما قال في آية أخرى {أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سلطانا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُواْ بِهِ يُشْرِكُونَ} [الروم: 35] أي يستدلون بذلك، والعرب تقول: قال الحائط كذا.
وقال عامة المفسرين وأهل العلم: إن هذا كلام حقيقة لا كلام مجاز، لأنه قد أكده بالمصدر حيث قال: {وَكَلَّمَ الله موسى تَكْلِيمًا} والمجاز لا يؤكد لأنه لا يقال: قال الحائط قولًا، فلما أكده بالمصدر نفى عنه المجاز، وقال في موضع آخر: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَئ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل: 40] وقد أكده بالتكرار ونفى عنه المجاز.
وقال في موضع آخر {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ الله إِلاَّ وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِىَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِىٌّ حَكِيمٌ} [الشورى: 51] يعني الأنبياء الذين لم يكونوا مرسلين، فأراهم في المنام أو من وراء حجاب بكلام مثل ما كلم الله موسى، أو يرسل رسولًا وهو رسالة جبريل إلى المسلمين. اهـ.

.قال ابن عطية:

وقوله تعالى: {ورسلًا قد قصصناهم عليك} الآية، نصب {رسلًا} على المعنى، لأن المعنى إنا أرسلناك كما أرسلنا نوحًا، ويحتمل أن ينصب {رسلًا} بفعل مضمر تقديره أرسلنا رسلًا، لأن الرد على اليهود إنما هو في إنكارهم إرسال الرسل واطراد الوحي، وفي حرف أبي بن كعب ورسل في الموضعين بالرفع على تقديرهم رسل، و{قصصناهم} معناه ذكرنا اسماءهم وأخبارهم، وقوله تعالى: {ورسلًا لم نقصصهم عليك} يقتضي كثرة الأنبياء دون تحديد بعدد، وقد قال تعالى: {وإن من أمة إلا خلا فيها نذير} [فاطر: 24] وقال تعالى: {وقرونًا بين ذلك كثيرًا} [الفرقان: 38] وما يذكر من عدد الأنبياء فغير صحيح، الله أعلم بعدتهم، صلى الله عليهم، وقوله تعالى: {وكلم الله موسى تكليمًا} إخبار بخاصة موسى، وأن الله تعالى شرفه بكلامه ثم أكد تعالى الفعل بالمصدر، وذلك منبئ في الأغلب عن تحقيق الفعل ووقوعه، وأنه خارج عن وجوه المجاز والاستعارة، لا يجوز أن تقول العرب: امتلأ الحوض وقال: قطني قولًا، فإنما تؤكد بالمصادر الحقائق، ومما شذ قول هند بنت النعمان بن بشير:
وعجب عجيجًا من جذام المطارف... وكلام الله للنبي موسى عليه السلام دون تكييف ولا تحديد ولا تجويز حدوث ولا حروف ولا أصوات، والذي عليه الراسخون في العلم: أن الكلام هو المعنى القائم في النفس، ويخلق الله لموسى أو جبريل إدراكًا من جهة السمع يتحصل به الكلام، وكما أن الله تعالى موجود لا كالموجودات، معلوم لا كالمعلومات فكذلك كلامه لا كالكلام، وما روي عن كعب الأحبار عن محمد بن كعب القرظي ونحوهما: من أن الذي سمع موسى كان كأشد ما يسمع من الصواعق، وفي رواية أخرى كالرعد الساكن فذلك كله غير مرضي عند الأصوليين، وقرأ جمهور الأمة {وكلم اللهُ موسى} بالرفع في اسم الله، وقرأ يحيى بن وثاب وإبراهيم النخعي {وكلم الله} بالنصب على أن موسى هو المكلم، وهي قراءة ضعيفة من جهة الاشتهار، لكنها مخرجة من عدة تأويلات. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ} يعني بمكة.
{وَرُسُلًا} منصوب بإضمار فعل، أي وأرسلنا رسلا؛ لأن معنى {وَأَوْحَيْنَا إلَى نُوحٍ} وأرسلنا نوحًا.
وقيل: هو منصوب بفعل دَلّ عليه {قَصَصْنَاهُمْ} أي وقصصنا رسلا؛ ومثله ما أنشد سيبويه:
أصبحتُ لا أحملُ السِّلاحَ ولا ** أَمْلكُ رأسَ البعيرِ إنْ نَفَرا

والذِّئبَ أخشاه إن مررتُ بِه ** وَحْدي وأخشى الرّيَاحَ والمطرا

أي وأخشى الذئب.
وفي حرف أُبيّ {وَرُسُلٌ} بالرفع على تقدير ومنهم رسل.
ثم قيل: إن الله تعالى لما قصّ في كتابه بعض أسماء أنبيائه، ولم يذكر أسماء بعض، ولمن ذكر فضل على من لم يذكر قالت اليهود؛ ذكر محمد الأنبياء ولم يذكر موسى؛ فنزلت {وَكَلَّمَ الله موسى تَكْلِيمًا} {تكليمًا} مصدر معناه التأكيد؛ يدل على بطلان من يقول: خلق لنفسه كلاما في شجرة فسمعه موسى، بل هو الكلام الحقيقي الذي يكون به المتكلم متكلمًا.
قال النحاس: وأجمع النحويون على أنك إذا أكدت الفعل بالمصدر لم يكن مجازا، وأنه لا يجوز في قول الشاعر:
امتلأ الحَوْضُ وقال قَطْني

أن يقول: قال قولا؛ فكذا لما قال: {تَكْلِيمًا} وجب أن يكون كلامًا على الحقيقة من الكلام الذي يُعقل.
وقال وهب بن منبه: إن موسى عليه السلام قال: يارب بِمَ اتخذتني كليمًا؟ طلب العمل الذي أسعده الله به ليُكثر منه؛ فقال الله تعالى له: أتذكر إذ نَدّ من غنمك جَدْيٌ فاتبعته أكثر النهار وأتعبك، ثم أخذته وقبلته وضممته إلى صدرك وقلت له؛ أتعبتني وأتعبت نفسك، ولم تغضب عليه؛ من أجل ذلك اتخذتك كليمًا. اهـ.

.قال الخازن:

قوله تعالى: {ورسلًا قد قصصناهم عليك من قبل} لما نزلت هذه الآية المتقدمة قالت اليهود ما لموسى لم يذكر؟ فأنزل الله هذه الآية وفيها ذكر موسى عليه السلام والمعنى وأوحينا إلى رسل قد قصصنا عليك من قبل يعني سميناهم في القرآن وعرفناك أخبارهم وإلى من بعثوا وما ورد عليهم من قومهم {ورسلًا لم نقصصهم عليك} أي لم نسمهم لك ولم نعرفك أخبارهم قال أهل المعاني الذين نوه الله بذكرهم من الأنبياء يدل على تفضيلهم على من لم يذكر ولم يسم.
وقوله تعالى: {وكلم الله موسى تكليمًا} يعني خاطبه مخاطبة من غير واسطة لأن تأكيد كلم بالمصدر يدل على تحقيق الكلام وأن موسى عليه السلام سمع كلام الله بلا شك لأن أفعال المجاز لا تؤكد بالمصادر فلا يقال أراد الحائط يسقط إرادة.
وهذا رد على من يقول إن الله خلق كلامًا في محل فسمع موسى ذلك الكلام وقال الفراء العرب تسمى كل ما يوصل إلى الإنسان كلامًا بأي طريق وصل لكن لا تحققه بالمصدر وإذا حقق بالمصدر لم يكن إلاّ حقيقة الكلام فدل قوله تعالى تكليمًا على أن موسى قد سمع كلام الله حقيقة من غير واسطة.
وروى الطبري بسنده من عدة طرق عن كعب الأحبار قال لما كلم الله موسى عليه السلام بالألسنة كلها قبل كلامه يعني كلام موسى بلسانه فجعل موسى يقول يا رب لا أفهم حتى كلمه بلسانه آخر الألسنة فقال: يا رب هكذا كلامك قال لو سمعت كلامي يعني على وجهه لم تك شيئًا قال موسى: يا رب هل في خلقك شيء يشبه كلامك قال لا وأقرب خلقي شبهًا بكلامي أشد ما تسمع الناس من الصواعق.
قال بعض العلماء كما أن الله تعالى خص موسى عليه السلام بالتكليم وشرفه به ولم يكن ذلك قادحًا في نبوة غيره من الأنبياء فكذلك إنزال التوراة عليه جملة واحدة لم يكن قادحًا في نبوة من أنزل عليه كتابه متفرقًا من الأنبياء. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَرُسُلًا} نصب بمضمر أي أرسلنا رسلًا؛ والقرينة عليه قوله سبحانه: {أَوْحَيْنَا} [النساء: 163] السابق لاستلزامه الإرسال، وهو معطوف عليه داخل معه في حكم التشبيه، وقيل: القرينة قوله تعالى: {قَدْ قصصناهم عَلَيْكَ} لا أنه منصوب بقصصنا بحذف مضاف أي قصصنا أخبار رسل، ولا أنه منصوب بنزع الخافض أي كما أوحينا إلى نوح وإلى رسل كما قيل لخلوه عما في الوجه الأول من تحقيق المماثلة بين شأنه صلى الله عليه وسلم وبين شؤون من يعترفون بنبوته من الأنبياء عليهم السلام في مطلق الإيحاء، ثم في إيتاء الكتاب، ثم في الإرسال، فإن قوله سبحانه: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} [النساء: 163] منتظم لمعنى {ءاتيناك} [طه: 99] و{أرسلناك} [البقرة: 119] حتمًا فكأنه قيل: إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى فلان وفلان، وآتيناك مثل ما آتينا فلانًا، وأرسلناك مثل ما أرسلنا الرسل الذي قصصناهم وغيرهم ولا تفاوت بينك وبينهم في حقيقة الإيحاء والإرسال فما للكفرة يسألونك شيئًا لم يعطه أحد من هؤلاء الرسل عليهم الصلاة والسلام؟ ومعنى قصهم عليه عليه الصلاة والسلام حكاية أخبارهم له وتعريف شأنهم وأمورهم {مِن قَبْلُ} أي من قبل هذه السورة أو اليوم، قيل: قصهم عليه صلى الله عليه وسلم بمكة في سورة الأنعام [83 86] وغيرها، وقال بعضهم: قصهم سبحانه عليه عليه الصلاة والسلام بالوحي في غير القرآن ثم قصهم عليهم بعد في القرآن.
{وَرُسُلًا لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ} أي من قبل فلا تنافي الآية ما ورد في الخبر من أن الرسل ثلثمائة وثلاثة عشر، والأنبياء مائة ألف وأربعة وعشرون ألفًا، وعن كعب أنهم ألف ألف وأربعمائة ألف وأربعة وعشرون ألفًا لأن نفي قصهم من قبل لا يستلزم نفي قصهم مطلقًا، فإن نفي الخاص لا يستلزم نفي العام، فيمكن أن يكون قصهم عليه صلى الله عليه وسلم بعد فعلمهم، فأخبر بما أخبر على أن القبلية تفهم من الكلام ولو لم تكن في القابل لأن {لَمْ} في المشهور إذا دخلت على المضارع تقلب معناه للمضي على أن القص ذكر الأخبار، ولا يلزم من نفي ذكر أخبارهم له صلى الله عليه وسلم نفي ذكر عددهم مجردًا من ذكر الأخبار والقصص، فيمكن أن يقال: لم يذكر سبحانه له صلى الله عليه وسلم أخبارهم أصلًا لكن ذكر جل شأنه له عليه الصلاة والسلام أنهم كذا رجلًا فاندفع ما توهمه بعض المعاصرين من أن الآية نص في عدم علمه وحاشاه عليه الصلاة والسلام عدة المرسلين عليهم الصلاة والسلام فيأخذ بها ويرد الحديث وكأن الذي أوقعه في الوهم كلام بعض المحققين والأولى أن لا يقتصر على عدد الآية، فأخطأ في الفهم ومات في ربقة التقليد نسأل الله تعالى العافية.
{وَكَلَّمَ الله موسى} برفع الجلالة ونصب موسى، وعن إبراهيم ويحيى بن وثاب أنهما قرآ على القلب.
{تَكْلِيمًا} مصدر مؤكد رافع لاحتمال المجاز على ما ذكره غير واحد، ونظر فيه الشهاب بأنه مؤكد للفعل فيرفع المجاز عنه، وأما رفعه المجاز عن الإسناد بأن يكون المكلم رسله من الملائكة، كما يقال: قال الخليفة كذا إذا قاله وزيره فلا، مع أنه أكد الفعل، والمراد به معنى مجازي كقول هند بنت النعمان في زوجها روح بن زنباع وزير عبد الملك بن مروان:
بكى الخز من روح وأنكر جلده ** وعجت عجيجًا من جذام المطارف

فأكدت عجت مع أنه مجاز لأن الثياب لا تعج، وما نقل عن الفراء من أن العرب تسمي ما وصل إلى الإنسان كلامًا بأي طريق وصل ما لم يؤكد بالمصدر فإذا أكد به لم يكن إلا حقيقة الكلام لا يفي بالمقصود إذ نهاية ما فيه رفع المجاز عن الفعل في هذه المادة، ولا تعرض له لرفع المجاز عن الإسناد فللخصم أن يقول: التكليم حقيقة إلا أن إسناده إلى الله تعالى مجاز ولا تقوم الآية حجة عليه إلا بنفي ذلك الاحتمال، نعم إنها ظاهرة فيما ذهب إليه أهل السنة والجملة إما معطوفة على قوله تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} [النساء: 163] عطف القصة على القصة لا على {ءاتَيْنَا} [النساء: 163] وما عطف عليه، وإما حال بتقدير قد كما ينبئ عنه تغيير الأسلوب بالالتفات، والمعنى أن التكليم بغير واسطة منتهى مراتب الوحي وأعلاها، وقد خص به من بين الأنبياء الذين اعترفتم بنبوتهم موسى عليه السلام ولم يقدح ذلك فيهم أصلًا فكيف يتوهم أن نزول التوراة عليه جملة قادح في نبوة من أنزل عليه الكتاب مفصلًا مع ظهور حكمة ذلك.
هذا وقد تقدم لك كيفية سماع موسى عليه السلام لكلام الله عز وجل، وقد وقع التكليم أيضًا لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم في الإسراء مع زيادة رفعة، بل ما من معجزة لنبي من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إلا لنبينا صلى الله عليه وسلم مثلها مع زيادة شرف له شرفه الله تعالى، بل ما من ذرة نور شعت في العالمين إلا تصدقت بها شمس ذاته صلى الله عليه وسلم، ولله سبحانه در البوصيري حيث يقول:
وكل آي أتى الرسل الكرام بها ** فإنما اتصلت من نوره بهم

فصلى الله تعالى عليه وسلم تسليمًا كثيرًا. اهـ.